الثلاثاء، 5 يناير 2010

صورة الإمارات في سينماها..


الفنان السعودي عبد المحسن النمر في فيلم «الدائرة» للإماراتي نوّاف الجناحي

تحيل أفلام السينما الإماراتية إلى البحث في الصورة التي تقدمها هذه الأفلام عن الإمارتي، أو الخليجي، حيث أن واحدة من أعقد المشاكل التعبيرية التي تواجهها هذه الأفلام هي الصورة النمطية المتكوِّنة، عن الإماراتي، أو الخليجي، في الثقافة العربية، على الأقل، والتي تتبدى أدنى ملامحها في أن الخليجي لا يظهر إلا من خلال صورة الرجل الثري، العابث، اللاهي، المتكئ على بئر من البترول، وعلى ثروة غامرة!.. صورة ليس فيها شيء من معاناة، أو مكابدة، ولا من قلق وجودي إزاء أسئلة الماضي والحاضر والمستقبل.
في الأفلام التي سنراها، على الأقل عبر القرص اللايزري، الذي وزّعه مهرجان دبي السينمائي الدولي، لن نجد شيئاً من ظلال هذه الصورة، أبداً.. بل سنرى تجليات صور متعددة، ليس بينها إطلاقاً الصورة النمطية المُفترضة..
ننظر، فنرى أن فيلم «100 ميل»، للمخرج مصطفى عباس، من إنتاج العام 2007، وهو فيلم روائي قصير (مدته 26 دقيقة)، يأتي على هيئة فيلم ناطق باللغة الإنجليزية، ويتناول موضوعاً أقرب ما يكون لأفلام المافيا، والعصابات.. ثمة إطلاق رصاص لا حدَّ له، وحوادث قتل متعددة، كأنما الأحداث تجري في بلد لا قانون، ولا وازع، فيه..
بينما يبدو فيلم «عربانة»، للمخرجة نايلة الخاجة، من إنتاج العام 2006، وهو فيلم روائي قصير (مدته 7 دقائق)، محاولة للحديث عن تفكك الأسرة الخليجية، بين الأم اللاهية بمحادثاتها الهاتفية، ومشاويرها، فيما لا تجد طفلتها سوى اللجوء إلى حارس الحديقة، الهندي ربما، والذي لا ندري هل هو يغوي الطفلة، ويستغلها، أم يلبي حاجاتها.. ثمة في الفيلم ما يشي بهذا، وما يدلل على ذاك.. فنظرة الحارس آن تدخل الطفلة غرفته تشي بما هو مريب، وما هو غير أخلاقي.. ولكن سلوك الطفلة، بعد ذلك، لا يؤشر إلى ذلك، أبداً، ولا يعززه..
أما فيلم «هبوب»، للمخرج سعيد سالمين المري، من إنتاج العام 2005، وهو فيلم روائي قصير (مدته 23 دقيقة)، فيذهب بناء على استيحاء من قصة «الياثوم» للكاتب سالم الحتاوي، إلى قرية إماراتية عتيقة.. القرية، بناء على طلب من رأسها، تزمع حفر بئر للحصول على مائها بذاتها، والتخلص من شراء الماء من آبار غيرها.. وإذا ينتخب الفتى «سعيد» للقيام بهذه المهة، بعد وفاة الحفّار «سالم»، يُصاب الفتى بلوثة، يعتقد أهالي القرية أنها روح شيطانية، فيستعينون بمن يداويه بآيات قرآنية، فينجو سعيد، ويتزوج من حبيبته الفتاة الجميلة «ميثا»..
ويذهب فيلم «أنا رجل»، لمخرجته شما أبو نواس، بالتعاون مع سحر الخطيب، ومن إنتاج العام 2006، وهو فيلم تسجيلي قصير (مدته 19 دقيقة)، إلى حديث الشباب والموضة، عبر مجموعة من الآراء المتنافرة حول موضوعات شكلية، في الظاهر، ولكنها في الحقيقة على تماس مع جوهر الثقافة الحديثة، أو العصرية، وموقف الشباب الإماراتي منها.. فيتجاوز الفيلم حدود الحديث عن الموضة، وارتداء البناطلين، أو وضع الحلق، أو السلاسل، أو الجماجم، أو ارتداء الألوان الزاهية.. ليصل إلى دور الإعلام والثقاقة، وارتباط كل ذلك بالهوية الوطنية..
ويأخذ فيلم «مرايا الصمت»، للمخرج نواف الجناحي، من إنتاج العام 2006، وهو فيلم روائي قصير (مدته 16 دقيقة) مساراً خاصاً به، إذ أنه يأتي بالأبيض والأسود، ليتحدث عن شاب يعيش في حالة غريبة من العزلة والغربة والوحدة، على الرغم من أنه فنان مسرحي ناجح. يستخدم الفيلم ثنائية النور والعتمة.. واللقطات ذات الدلالة، ليبني مقولته.. عيون تتطلع بأمل ربما إلى شيء ما.. تنتظره ولا يجيء.. هاتف.. ولا مجيب.. نداء لا يصل إلى الآخر.. يخرج إلى شوارع المدينة.. الشوارع خلت من مارتها، ومحت أثر الخطوات عن أرصفتها.. عواء الهواء في فراغ الطرق.. مدماك آخر في جدار الوحدة والعزلة.. في مقهى مع فنجان وحيد.. شيء ما يذكرني بالمخرج إيليا سليمان..
وتختار المخرجة منال علي بن عمرو في فيلمها «وجه عالق»، من إنتاج العام 2007، وهو فيلم روائي قصير (مدته 6 دقائق) أسلوب سرد شعرياً، للحديث عن معاناة الفتاة الخليجية بين ذاكرة الطفولة المرهقة، والتربية التقليدية المدرسية والأسرية المحافظة، من جهة، وتوقها إلى عالم كثر اتساعاً، يليق بطموحاتها، وقدراتها، من جهة أخرى.. إنها في بؤرة تلك الدوائر التي لا تنتهي..
ويأخذنا فيلم «تنباك»، للمخرج عبد الله حسن أحمد، من إنتاج العام 2007، وهو فيلم روائي قصير (مدته 26 دقيقة) إلى قرية إماراتية عتيقة، غافية على سفح جبل، فيما لا تغفو مصائر أبنائها.. قصص حب، ورغبات طموحة، والمكان ينضح بكل ما هو مأساوي.. تراجيديا إماراتية مؤلمة، يرهقها السرد الشعري، مرة أخرى.. الوالد يسعل دماً.. موال نائح.. الأولاد يتلون القرآن.. يبدو أن ثمة أمراً جللاً حدث.. نسمع نثارات القصة.. وعلينا أن نلملمها.. تشكيلات بصرية جميلة.. ومؤثرات صوتية بليغة..
ويشاء فيلم «تحت الشمس»، للمخرج علي مصطفى، من إنتاج العام 2005، وهو فيلم روائي قصير (مدته 23 دقيقة)، أمراً نبيلاً، ولكنه يضيع في الموعظة.. ها نحن أمام محمد، وهو فتى والده إماراتي، ووالدته بريطانية، دخلت الإسلام آن تزوجت من والده، وقبل أن تنجبه، طبعاً.. الفتى محمد يعيش حالة اكتشاف ذاته الشخصية، ما بين أم وأب، من جهة أولى، وذاته العامة وقلقها، بين ما يراه ويسمعه، وما يعيشه، من جهة أخرى..
سيكون شهر رمضان، الحالة المناسبة لهذا الامتحان.. وسيكون الإعلام، عبر نشرات التلفزيون، عاملاً مساعداً ومعمقاً لحالة الكشف من ناحية، وللبلبلة من ناحية موازية.. الفتى محمد سيسمع أشياء، ويعيش تجارب، وسيرى أشياء، وما بينها يبدو من العصي عليه أن يلتقط الأجوبة.. ويقيننا أن المواعظ التي قدمها الفيلم، على لسان والده ووالدته لن تسعفه في شيء..
ننتهي، فنقول إن هذه الحزمة من الأفلام الإماراتية تحاول جادة تقدم تفاصيل مختلفة من صورة الإماراتي، كما يراها مبدعون إماراتيون، وكما يرسمونها. وهي صورة تنوس ما بين التقليدية العالية، وحتى حدود التجريب الجريء.. وهي في الحالات جميعها صورة شديدة الاستقطاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق