الثلاثاء، 5 يناير 2010

أفلام تحسين قوادري.. تقدم


أفلام تحسين قوادري.. تقدم».. تلك هي العبارة التي ربما ما تزال ترن في آذان جمهور السينمائية.. أجيال نشأت في الستينات والسبعينات، والعنوان الأبرز لأي فيلم سينمائي سوري سيكون هذا الاسم الذي لا ينسى.. تحسين قوادري!..
تحسين قوادري هو أبرز المؤسسين لسينما القطاع الخاص في سوريا، وأكثرهم عطاء، وأغزرهم إنتاجاً، وأوسعهم علاقات، وأوثقهم صلة بأصول صناعة السينما. كما هو من أبرز المؤسسين للجنة صناعة السينما والتلفزيون، في سوريا، التي ستؤسس لصناعة الدراما السورية، التي طارت بشهرتها في آفاق الوطن العربي.
رحل تحسين قوادري في العام 2002، وترك لنا تراثاً سينمائياً، يكاد يكون هو ذاته تراث السينما السورية بقطاعها الخاص.. فغالبية الأفلام التي شاهدناها في الصالات السورية، وعلى مدى قرابة عشرين سنة، إنما هي متوجة بتلك العبارة التي كانت ترن في أسماعنا: «أفلام تحسين قوادري.. تقدم»..
يقول إبنه المخرج أنور قوادري إن والده تحسين قوادري من مواليد دمشق، في حي المزة، عام 1926. بدأت علاقته مع السينما منذ نهاية الأربعينيات ومطلع الخمسينيات، حيث كان عارضاً للسينما، ثم عمل موزعاً سينمائياً في سوريا، وتحديداً موزعاً لأفلام الفنان أنور وجدي، ثم انتقل إلى الإنتاج السينمائي، بداية في مصر حيث أنتج فيلماً بعنوان «أنا وأمي»، بطولة رشدي أباظة وتحية كاريوكا وإخراج السيد بدير، وهو الفيلم الذي عُرض في سوريا عام 1958، وبالتالي يمكن القول إن ما شجع تحسين قوادري على الخوض في مجال الإنتاج، هو أنه كان يتواجد في مكتب الفنان أنور وجدي، وكان يشاهد كيف تحدث عمليات الإنتاج، خاصة وأن أنور وجدي كان حينها مؤسسة سينمائية كاملة.
كان تحسين قوادري عارض أفلام، وذلك بفضل محمد الزعيم عكاوي، والد المونتير والمخرج مروان عكاوي. محمد الزعيم عكاوي، الذي كان رائداً من رواد السينما السورية، وهو شخص لم يأخذ حقه أبداً، تماماً مثل نذير الشهبندر وزهير الشوا، الذين كانوا عارضي أفلام أيضاً، قبل أن يقدموا تجاربهم الاخراجية المبكرة، والرائدة.
محمد الزعيم عكاوي كان رجلاً له باع طويل في مجاله. وعندما توفي والد تحسين قوادري، وليس لتحسين من العمر إلا قرابة 11 سنة، تبناه محمد الزعيم عكاوي، واعتبره مثل ابنه. وهكذا تعلَّق تحسين قوادري بالسينما من خلال عمله كعارض، أو مساعد عارض، مع محمد الزعيم عكاوي.
تأسيس السينما السورية
بداية سينما القطاع الخاص في سوريا، كانت مع فيلم «عقد اللولو»، عام 1964، وهو أصلاً عبارة عن مسرحية/ اسكتش غنائي، قدمها دريد ونهاد، بداية الستينيات في دمشق، وتحديداً صيف عام 1961، بمناسبة الذكرى الأولى لتأسيس التلفزيون السوري.
دريد ونهاد كانا مشهورين ضمن نطاق عرض التلفزيون السوري، الذي كان عرضه محدوداً، بسبب قلة توفر أجهزة التلفزيون، وكون البث التلفزيوني لم يكن يتجاوز مدينة دمشق، ومدينة حلب.
في تلك الفترة قام محمد الرواس الذي كان يعمل مصوراً، وأخوه فوزي الرواس، الذي كان يعمل في مجال الإضاءة، وسعيد النابلسي الذي كان يعمل في مجال الديكور، بتأسيس شركة باسم «سيريا فيلم»، وكان لدى محمد الرواس هاجس تحويل اسكتش «عقد اللولو» إلى فيلم سينمائي، فجاؤوا عام 1963، إلى تحسين قوادري، وطرحوا عليه فكرة صنع فيلم، وكان السيناريو قد كتبه نهاد قلعي، على أساس أن يخرجه خلدون المالح..
ولقد تمّ عرض المشروع على تحسين قوادري، لأنه صاحب خبرة في هذا المجال، أولاً، وليس بسبب وجود قرابة بين محمد الرواس وتحسين قوادري ومحمد الزعيم عكاوي!..
يذكر المخرج أنور قوادري أن محمد الرواس هو الذي أتى تحديداً، وقال لوالده تحسين قوادري، إنهم قاموا بتأسيس شركة اسمها «سيريا فيلم»، وإنهم يريدون صنع هذا الفيلم. وربما كان الرواس يظن أن الأمر سيتم تماماً كما كانت المحاولات التي قام بها زهير الشوا ونذير الشهبندر.. ولكن عندما طرح الرواس ذاك المشروع، قال لهم تحسين قوادري إذا أردتم إنجاز هذا الفيلم، فلن يتم الأمر بهذه الطريقة!..
سأله محمد الرواس عن المطلوب، فقال له العمل يحتاج إلى تركيبة جديدة، ويجب أن أستلم تركيب العملية من الأساس. أولاً: أتحفّظ على خلدون المالح كمخرج، وقال إنه بحاجة إلى مخرج آخر، تكون لديه خبرة بالسينما، وثانياً: أنا بحاجة إلى مموّل، لأنه لم يكن يملك تمويلاً من أجل هذا الفيلم، ومن المعروف أن تمويل فيلم كان مغامرة كبيرة، وأن تمويل الأفلام هو فن بحد ذاته، فعندما نريد تمويل فيلم يجب أن يكون هناك دراسة جدوى اقتصادية.
صناعة الفيلم السوري الأول
صناعة فيلم سينمائي، في جانب أساس منه مشروع تجاري، لكن عندما أتى محمد الرواس لوالدي لم يكن ما يفكر به مشروعاً تجارياً، بل كان مشروع هواة.. إنهم يريدون أن يصنعوا فيلماً سينمائياً، دون أي خبرة. وبما أن تحسين قوادري عمل من قبل في مكتب أنور وجدي، فقد كانت لديه علاقات عربية، وكان يعرف من أين يجب أن يأتي التمويل؛ عن طريق بيع الفيلم، وفي صناعة السينما يوجد مبدأ مهم، وهو بيع الفيلم قبل أن تتم صناعته، فحتى الشركات الكبيرة كانت تقوم بذلك، عمالقة السينما العربية كانوا يفعلون الأمر نفسه: أنور وجدي، آسيا، محمد عبد الوهاب، دائماً كانوا يدخلون عملية محسوبة، هذه هي كيمياء السينما.
بعد أن اقتنع محمد الرواس بذلك، قال لخلدون المالح يجب تغيير المخرج، وتستطيع أن تكون أنت مساعد مخرج. في تلك المرحلة كان والدي على علاقة بيوسف معلوف، وهو مخرج كوميدي، وعمل مساعد مخرج، وصنع أفلاماً مع بركات، وهو أصله لبناني ويعرف بيروت. وفعلاً أُحضر يوسف معلوف من أجل العمل في التركيبة. ووالدي طرح فكرة أيضاً بأن هذا الموضوع لا يكفي على هذا الشكل، يجب أن نحضر نجماً ونجمة من أجل تكميل تركيبة الفيلم. وفي تلك المرحلة كانت المطربة صباح نجمة مشهورة.
محمد الرواس وخلدون المالح، كانا مبهورين بدريد ونهاد، فقالا لوالدي بأن دريد ونهاد عباقرة، ويستطيعان أن يحملا الفيلم.. ولكن تحسين قوادري قال لمحمد الرواس: أنا معك في أن يكون دريد ونهاد في هذا العمل، لكن يجب أن نحضر نجوماً تحمل الفيلم. وهكذا أًصبح يوسف معلوف للإخراج، وصباح وفهد بلان للبطولة، ومع دريد ونهاد اكتملت التركيبة.
تحسين قوادري كانت لديه نظرة ثاقبة، وفي تلك المرحلة لم يبحث عن اسمه، وترك الفيلم باسم «سيريا فيلم»، لكن التركيبة هو من قام بصنعها، وكان لوالدي علاقات قوية جداً مع صديق عمره المهندس نادر أتاسي، فتكلم معه حول موضوع هذا الفيلم، وفي تلك المرحلة كان يوجد بينهما تعاون في لبنان، فاقتنع نادر أتاسي، فأصبحت التركيبة الانتاجية: 50% لنادر أتاسي، و25% لسيريا فيلم، و25% لتحسين قوادري، ولم يذكر اسم والدي على التترات وقتها، ولا حتى نادر أتاسي، وبقي المذكور على الفيلم اسم «سيريا فيلم»، فقط.
ولاستكمال بقية التركيبة، من الناحية التقنية، انتبه والدي إلى أنه لم يكن في سوريا كوادر تقنية جيدة أو خبيرة في السينما؛ لا يوجد مساعد مخرج، ولا مدراء تصوير، ولا عمال إضاءة، ولا مونتير.. وقتها كان أستديو بعلبك في بيروت، فذهب والدي واتفق معهم على أساس أن يتعهدوا العمليات الفنية.
هذه المواضيع لم يكن محمد الرواس وشركاه في «سيريا فيلم» قد حسبوا لها أي حساب، ومع تحسين قوادري دخلت العملية في إطار المهنية والحرفية، فأُحضر مساعد مخرج من مصر، وكاتب سيناريو إضافي، هو محمود نصير، ليمنح الصبغة الحرفية لهذا العمل، وأحضر مدير التصوير برونو سالفي، والمونتير أميل بحري، من مصر. واقترح والدي بأن يكون هذا الفيلم ملوناً، ومن هنا كان «عقد اللولو» أول فيلم سوري بالألوان، وقبل أفلام المؤسسة العامة للسينما بعشر سنوات.
نجاح وانطلاق
ويتابع أنور قوادري حديثه، بالقول: لقد نجح «عقد اللولو» جماهيرياً، كما خطط تحسين قوادري، ومحمد الرواس، ونادر أتاسي، الذين كانوا جميعهم على حق. والآن أصبحوا بمقدورهم أن يصنعوا فيلماً آخر، والدليل على ذلك فيلم «لقاء في تدمر»، الذي جاء مباشرة بعد «عقد اللولو»، حتى أنهم كانوا يعملون مع الطاقم والأشخاص أنفسهم.
«لقاء في تدمر» جاء لتأكيد التركيبة واستمرارها مباشرة، مع إلغاء بعض النجوم مثل صباح وفهد بلان. في هذا الفيلم أحضروا يسرا البدوية، التي كانت نجمة محلية، لكن المهم أن دريد ونهاد قد نجحا فعلاً، وأصبحا من تسوَّق الأفلام على اسميهما، وتأكدت نجوميتهما.
كان لدى تحسين قوادري هاجس توزيع وبيع الفيلم عربياً، وأن لا يبقى ضمن نطاق سوريا ولبنان، وذلك على الرغم من أنه كان في لبنان سوق قوية، وفي سورية كان يوجد سوق جيد للفيلم، حتى أن الفيلم كان يستطيع أن يغطي ميزانيته من العرض في سوريا، وحدها، بل وأن يربح أيضاً.
فقط سوق مصر كانت تستعصي لأن لديها اكتفاء ذاتي تقريباً، وكان حلم تحسين قوادري اقتحام أسواق مصر، وهنا ولدت فكرة تحسين قوادري بأن يحضر نجوماً ونجمات من مصر، ويدخلهم على الفيلم السوري، مع حرصه أيضاً على أن يخلق كوادر محلية، فأصبحتَ تجد من الآن فصاعداً أن محمود عياد أصبح مصوراً، ولاحقاً عبد الكريم العفيف مساعد مصور، وأيضاً أنيتا دوردي، ومن ثم صبحي المصري في المكياج، وصار لدينا كوادر سينمائية محلية سورية..
كان تحسين قوادري فناناً بالفطرة، لأنه لم يدرس أكثر من الصف السادس الابتدائي، وثقف نفسه ذاتياً. كان عندما يقرأ سيناريو ينظر إلى المفاتيح التي تمسك المشاهد، وتلعب بعواطفه، وأحاسيسه. ويرى المخرج أنور قوادري أن والده تحسين قوادري كان يساهم في اختيار الفكرة، أو الموضوع، أو الحكاية، أو القصة، إضافة إلى اختيار الأبطال، أي أنه كان يتدخل بالعملية من البداية حتى النهاية. كان يجلس ويفكر بسيناريوهات الأفلام، وربما لهذا السبب، أحضر يوسف عيسى، وهو سيناريست مهم تعامل مع كبار المخرجين، وعلى رأسهم بركات، فعندما أحضره والدي في فيلم «اللص الظريف»، كانت تعتبر مغامرة كبيرة.
أساساً يوسف عيسى ليس مخرج، وأعطاه فرصة، هو كتب السيناريو والحوار، لكن يوسف لم يخرج أي فيلم في مصر، وأعتقد أنه العمل الوحيد الذي أخرجه، فتحسين قوادري كان مؤمناً بأنه أحضر فناناً كبيراً، وأعطاه فرصته ليخرج عملاً في سوريا مع دريد ونهاد. هذه أسميها مشاركة في الفن، حيث كان تحسين قوادري يحب أن يقتحم المغامرة، تماماً مثلما أحضر عاطف سالم، الذي كان قد صنع عدداً من الأفلام في مصر. عاطف سالم كان اسماً كبيراً، وكان من مخرجين الصف الأول. وفي المونتاج أعطى مروان عكاوي، فرصة مونتاج فيلم «واحد زائد واحد»، و«الثعلب»، وكذلك في الموسيقى حيث فتح المجال أمام سهيل عرفة. كان لديه هاجس ومشروع إنشاء كوادر سينمائية سورية، وأن يأتي بأفضل السينمائيين المصريين من أجل أن يستفيد السوريون..
وينتهي المخرج أنور قوادري إلى القول: لقد كان لدى تحسين قوادري برنامج ومشروع، لديه هاجس وهو أن يفتح السوقين السينمائيين الأساسين في العالم العربي، مصر وسورية، وأن يحدث هذا التعاون الذي لم يتم!..
في فيلم «الرجل المناسب»، ذهب تحسين قوادري إلى مصر، وتمَّ تصوير الفيلم كاملاً تقريباً في مصر. كان حلمه أن يمزج الخبرات، سواء بأن يأتي بالمصريين إلى سوريا، أو بأن ينقل السوريين إلى مصر. كان لديه علاقات عميقة مع المؤسسة العامة للسينما المصرية، كان لديه علاقات مهمة. قال سوف أكرس دريد ونهاد في مصر، وسوف أحضر لهم أهم نجمين، كمال الشناوي وناديا لطفي، وأحسن مخرج وأحسن سيناريست، حلمي رفلة، هذه التركيبة تكفي، كان هذا هو هدفه.
أما في فيلم «غرام في استنبول»، فإنه لما صُدم تحسين قوادري بسبب إنغلاق السوق المصرية في وجه السينما السورية، وكان من الصعوبة فتح هذه السوق، على الرغم من وجود نجوم مصريين، وجد أنه مع تركيا يوجد شيء مشترك، أكثر من الحدود، فتعاطف معه الأتراك، وقام بصنع هذه التجربة، مع أنه جعل في تلك الفترة السوريين يتحدثون باللهجة المصرية، وكان اسمها «فترة تمصير الفيلم»، وهي عملية تبيَّن أنها مصنوعة لسوق وهمي، لأن الوصول إلى الجمهور المصري كان لديه حلم، وهذا الحلم ابتدعه مخرج لبناني اسمه محمد سلمان، فحين تشاهد الأفلام اللبنانية في تلك المرحلة، ترى أن اللبنانيين كانوا يتكلمون اللهجة المصرية بنوع من التطفل. في فيلم «غرام في استنبول» أحضر تحسين قوادري مطربين ونجوماً من تركيا، وكأنه يريد أن يفتح السوق التركي للسينما السورية. ولكن الهاجس الكبير عنده كان، وبقي، سوق مصر.. وهو ما لم يتحقق!.
ويقول أنور قوادري: عندما دخل الفيديو، وانهارت السينما السورية، ولم يعد لديها سوق، لم يعد تحسين قوادري ينتج، بل إنه في عام 1988، أسَّس «لجنة صناعة السينما والتلفزيون»، وبدأ التفكير بالعمل في مجال الدراما، وهنا نشأ تعاون بين تحسين قوادري ودريد لحام في بيع مسرحياته، فيديو كاسيت، وتوزيعها، تحديداً: «شقائق النعمان، والعصفورة السعيدة، وصانع المطر» كما تعاونا العمل معاً في توزيع مسلسل «أبو الهنا».
تحسين قوادري هو الأب الشرعي من فيلم «عقد اللولو»، إلى «لجنة صناعة السينما والتلفزيون»، التي أسست لولادة الدراما السورية، التي نراها اليوم.. لقد كان لدى تحسين قوادري نظرة مستقبلية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق