الجمعة، 8 يناير 2010

هادي ماهود.. سلامتك


في أزمته، وقد تعرض لحادث سير إثر عودته من مهرجان دبي السينمائي الدولي السادس، يحتاج المخرج العراقي المميز هادي ماهود إلى ما هو أكثر من التعاطف.. بل، من المؤكد أنه يحتاج للدعم والاحتضان، للتكاتف والمساعدة، يحتاج أن تتقدم المؤسسات العراقية، والعربية، على السواء، بل وكل المعنيين بالثقافة والإبداع، والمبدعين.. لاستعادته إلى الصحة، وإلى عالم السينما والإبداع، التي أثبت هادي، في كل لحظة، أنه واحد من روادها الجادين.
لعل هذا قدر مبدعي العالم العربي، حيث يقفون في العراء، يعاندون كل ما حولهم، يعملون بدأب، ليحققوا إبداعاتهم محمولة على أكفّ أحلامهم وهمومهم. لا يأبهون بما ينتظرهم وراء هذا المنعطف، أو خلف تلك اللحظة.. فلقد واجه هادي ماهود الخطر أكثر من مرة، كان منها أنه خلال تصويره لفيلم «العراق موطني»، حدث تفجير سيارة مفخخة، فرأى في الحدث فرصة لا بد من تسجيلها، وتوثيقها، بتصويرها، الأمر الذي جعله يدفع ثمناً موجعاً، بتعرضه للضرب الموجع، من قبل رجال الشرطة، والاعتداء الواسع من قبل الناس المفجوعين بالانفجار، محطمين كاميرته، وتاركين الآثار الدامية على جسده..
الآن، ومع الجراح التي طالته، جراء الحادث، ينبغي أن لا نكتفي بالقول.. بل لا بد للمعنين من فعل كل ما يمكنهم.
«العراق موطني»

قبل سنوات، وعندما انطلقت رحلات إعادة العراق، بعد غيبة مديدة، كانت رحلة الاستكشاف الأهم، على المستوى الفني، والمضمون الفكري، تتجلّى في فيلم «العراق موطني» للمخرج هادي ماهود، وهو فيلم تسجيلي طويل (52 دقيقة)، يمتدّ تحقيقه على مدى أكثر من سنة ونصف، يبدأها الفيلم بخبر سقوط النظام، فما يكون من المخرج العراقي هادي ماهود، المقيم في أستراليا، منذ 13 عاماً، إلا التحضير للعودة إلى العراق، وهذه العودة سوف تنتهي إلى الفيلم الذي بين أيدينا.
سنعرف أن هادي ماهود ينتمي إلى مدينة السماوة، في الجنوب العراقي، ولهذا فإنه يمنح فيلمه عنواناً فرعياً هو «عودة المنفيّ إلى السماوة». العودة إلى السماوة هي العودة إلى الوطن العراقي، الذي افتقده هادي ماهود، والانتماء إلى السماوة هو الانتماء إلى الوطن، الذي حافظ عليه هادي ماهود، حتى في مغتربه الأسترالي. وبالتالي فإن الصورة التي سيرصدها هادي ماهود في السماوة، هي جزء من صورة الوطن ذاته.
يتميز فيلم «العراق موطني» بأنه يرصد، وبصورة تكاد تكون استثنائية، مدينة عراقية بعيدة عن مدينة بغداد، التي أخذت مركز الاهتمام من السينما العراقية المعاصرة، والأفلام التي أنتجت عن العراق، عربية أو أجنبية.
من أستراليا إلى السماوة تمتد الرحلة. وفي السماوة سيجد المخرج هادي ماهود العديد من الشخصيات الطريفة، التي تصلح لأن تكون مرتكزات درامية يقوم عليها فيلمه، أولها شخصية «مجيد» المجذوب الذي يكاد يصل إلى حدّ الجنون، والعاقل الذي يصل إلى حدّ أن يكون صوت الضمير. «مجيد» مجنون المدينة وحكيمها يتناول التفاصيل التي كانت في عهد صدام، بكل قسوتها ووجعها، كما يلتقط أطراف الفساد الراهن، بسبب الفوضى التي تعم المكان. أما الصبي «أحمد»، الفتى اليافع، والذي فقد مهنته كعامل بناء، بعد أن سُرقت معدات معمل الإسمنت، ليتحول إلى مهنة بيع الرصاص، يقود المخرج إلى تفاصيل المدينة وأسرارها، مثل: غرف تعذيب دائرة الأمن العامة، وسجون قطاعات التحالف في المدينة، التي لا يتوفر فيها أدنى حد من الخدمات.
سيتعرض الفيلم لموضوع السجناء العراقيين، وطبيعة الحياة في السماوة، والتفجيرات التي تستهدف دوريات الشرطة، والجنائز وطقوس التعزية الشيعية، والمدافن الجماعية، وعمل الجيش الياباني، وواقع البنية التحتية في المدينة، ومواقف المواطنين العراقيين السياسية، وشكل الحياة في هذه المدينة، ذات الطبيعة المحافظة.
فيلم «العراق موطني»، ينتهي إلى ما يشبه رسالة انتماء من قبل المخرج هادي ماهود، إذ نراه يرفض مغادرة العراق، مرة أخرى، ويقرر الانتماء النهائي للوطن، ويربط نفسه بزواج من فتاة عراقية، ليبقى إلى الأبد في وطنه، ويقطع علاقته مع المنفى. وفي هذا الإطار يرسم صورة جميلة ومشرقة لمستقبل العراق، بدءاً من النشيد العربي الشهير «موطني»، وصولاً إلى الكشف عن التحولات التي باتت مدينته تشهدها.
عن ماهود.. الخجول الهادئ

أما بصدد فيلمه «انهيار»، ومشاركته في مهرجان دبي السينمائي الدولي السادس 2009، فقد كتبت الزميلة نوالي العلي، في نشرة اليوم الثالث من المهرجان:
وأخيراً سنرى العراق بعيون عراقية، لا مزيد من المراسلين الأجانب لتناقل الأنباء. في فيلم «انهيار» للمخرج العراقي هادي ماهود، ستتغير زاوية النظر، بل ستنتقل كلها إلى الداخل. داخل كل شيء، داخل الإنسان العراقي، التركيبة العراقية، الأحلام والانهيارات والخسارات العراقية برمتها، والتي كان يعمل ماهود على توثيقها منذ العام 2003، في سبيل إخراج هذا الفيلم.
عاد ماهود إلى العراق بعد سقوط النظام، بعد فراق 13 عاماً. وفي رحلة الحنين التي يخوضها العائدون، اكتشف ماهود اختفاء البشر والأشياء والأماكن والأشجار، وتبدل المسارح والكليات والحياة، آنذاك أخرج العائد فيلماً بعنوان «العراق موطني»، من إنتاج التلفزيون الاسترالي، ثمّ عاد حقاً ليقيم في قريته السماوة، حتى يومنا هذا.
بدأت فكرة فيلم «انهيار» بعد تتبع مثابرة المثقف العراقي على الخروج من بغداد، «كان المثقفون يهربون قبل النظام، وظلّوا يهربون بعده». وكأن العراق بات شارعاً باتجاه واحد يفضي إلى المنفى. هنا تكمن حبكة هذا الفيلم الوثائقي، فمن خلال سفر ماهود وتنقله بين المهرجانات، تمكّن بكاميرته من التقاط تنفس المثقفين في الخارج وكذلك تنهداتهم وحنينهم. و«انهيار» عوالمهم متوالية وكأنها في سباق لتتابع الانهيارات. ومن لم يفرّ قبلاً سيفعل الآن، على الأقل هذا ما أكدته سنوات قضاها ماهود في مراقبة حركة المثقفين العراقيين.
بالإضافة إلى فيلمه «انهيار» يشارك ماهود في ورشة كتابة السيناريو في مهرجان دبي السينمائي الدولي السادس، «نحن مستعجلون دائماً نحو الكتابة»، هذه الورشة تعلّم التباطوء باتجاه النص، ورشة تفكيك النص وبناء قاعدة للمشاهد والحدوتة وتصورها بصرياً، ثم بناء النص عليها، وليس العكس. «تبيّن أن الكتابة هي الخطوة الأخيرة» يوضح ماهود.
ليست هذه هي المرة الأولى لماهود في دبي، ألم يحصل فيلمه «ليالي هبوط الغجر» في مهرجان الخليج الأول 2007، على تنويه خاص من لجنة التحكيم؟.. والآن يرى ماهود في مهرجان دبي السينمائي كرنفالاً ملوناً وجمعاً هائلاً من سينمائيي العالم، وهي فرصة ليست متوفرة بكثرة في هذه المنطقة من العالم.
يبدو ماهود خجولاً وهادئاً، إنها صفات أساسية لمراقبة العالم وتوثيقه، يتحرك ببطء ويتحقق من الأشياء، لا يفارقه «سلاحه» يقصد كاميرته. لذلك ستجد في مكتبته الوثائقية الخاصة، أفلاماً وأنصاف أفلام، وأرباع أفلام ومشاريع أفلام. لننتبه فهادي ماهود لديه مجموعة صغيرة من الوثائق الفلميّة التي حصل عليها بقوة السلاح، وننوه مرة أخرى إنها الكاميرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق