الثلاثاء، 5 يناير 2010

المطلوب رجل واحد

الآن صار من الممكن للمرء الحديث عن سينما في دولة الإمارات العربية المتحدة.. قبل ذاك، كان من الممكن النقاش حول نثارات من الشعر والقصة والرواية، والفن التشكيلي والمسرح والغناء.. أما السينما فلا!.. نلتفت إلى الوراء، عشرين سنة فقط، فلا نكاد نعثر على فيلم سينمائي إماراتي واحد!.. واليوم صار من العصيّ على باحث، أو دارس، أو ناقد، أن يقوم بإحصاء الأفلام السينمائية الإماراتية، كافة، التي أُنجزت، وتُنجز الآن.. اليوم صار في الإمارات أفلام طويلة وقصيرة، روائية وووثائقية، تقليدية وحداثية، قوية وضعيفة، جيدة وسيئة، ممتعة ومنفرة.. صار حراكاً، وكان يبدو أن «المطلوب رجل واحد».. وكان هذا الرجل «مسعود أمر الله آل علي».
لا نريد النبش في سيرة الرجل، ولا في ما صنع، أو ما ينوي.. إنما نبغي التأكيد عابرين على حقيقة أنه لولا «مسابقة أفلام من الإمارات»، التي أسسها، وبلورها، وقادها بنجاح ست دورات متتالية، لكان من الصعب اليوم الحديث عن «أفلام في الإمارات»، وربما عموم الخليج العربي، فهذه المسابقة كان محفزاً حقيقياً لطاقات وجهود وإبداعات الشباب والشابات، في الإمارات بداية، وفي دول الخليج العربي ثانياً..
وآن انطفأت تلك المسابقة «الفقيدة»، توهَّجت شعلة «مهرجان دبي السينمائي»، وهو انتهى من دورته السادسة، قبل شهر بقليل، ليسلّم الراية إلى «مهرجان الخليج السينمائي»، الذي يتهيأ لدورته الثالثة، بعد أكثر من شهر أو شهرين بقليل.. وما بين هذا وذاك، تبدو صورة الإمارات السينمائية قيد التبلور، والنضج، بعد أن طوت مرحلة البدايات، بكل ما فيها من عثرات..
كان أمراً ملفتاً أن يتولّى مهرجان دبي السينمائي، في العام الماضي، إصدار قرص مضغوط (DVD) يضم نسخاً من ثمانية أفلام إماراتية، وأن يقوم بتوزيعه على ضيوف المهرجان، ومن ثم يقوم بدورته السادسة، هذا العام، بتوزيع قرص يحتوي أفلام خليجية،الإمر الذي يدلّ فيما يدلّ على رغبة المهرجان الجادة، وهو المهرجان الدولي، بإيصال الصوت السينمائي الإماراتي، كما الخليجي، إلى أوسع مدى، خاصة في فيض الحضور السينمائي الدولي المتميز، من أقصى آسيا شرقاً، إلى أقصى أمريكا غرباً، مروراً بأوروبا وأفريقيا، شمالاً وجنوباً..

مسعود أمر الله آل علي يسلّم نوّاف الجناحي جائزة أحسن مخرج إماراتي للعام 2009

دائماً، سيبدو سؤال السينما الإماراتية، يذهب في اتجاهين اثنين: أولهما ذاك الذي يتعلق بالمُنجز السينمائي ذاته، من حيث الكمّ والنوع، والآليات والسياقات التي يمكن أن تؤدي/ أو لا تؤدي، إلى نشوء صناعة سينمائية حقيقية، وفق المتعارف عليه عالمياً. وثانيهما ما يتعلق بصورة الإماراتي نفسه، ومن ثم صورة الخليجي عموماً. تلك الصورة التي يقوم بصناعتها السينمائي الإماراتي/ الخليجي، بنفسه، ويشكلها على النحو الذي يريد، بعيداً عن الصورة النمطية المتكونة في الثقافة العربية، أو الثقافية العالمية، عن الإماراتي/ الخليجي.
وفي وقت يتعلق المُنجز السينمائي المُتحقِّق، أو المأمول، بالعديد من الشروط والضوابط والامكانيات، والمعيقات.. ويستدعي الوقوف أمام الحالة السينمائية في موشورها المتعدد الوجوه، بين كونها فناً، وصناعة، وتجارة، وعمل جماعي، يمكن للقطاع الخاص، من شركات ومؤسسات وبنوك، وغيرها.. كما يمكن للقطاعات الحكومية، من وزارات ومؤسسات وهيئات.. المساهمة فيها، ودعمها، وتقويتها.. فإن الحديث عن الصورة السينمائية يتطلب مشاهدة متمعنة، وقراءة متأنية، للنصوص السينمائية/ الأفلام، بما فيها، ومن داخلها، مع الاستعانة بما توصلت إليه علوم السياسة والاقتصاد، وعلم النفس والاجتماع، والثقافة، وعلوم الدلالات..
نشير، عابرين، إلى حقيقة توفّر الإمكانيات المادية والبشرية، في الإمارات العربية المتحدة، بداية، وفي دول الخليج العربي، عموماً.. ولكن هذه الإمكانيات المادية الكبيرة لم تُوجَّه، حتى الآن، كما ينبغي، للمساهمة في قطاع السينما، الذي ما زال يقوم في غالبيته على جهود فردية، أو مؤسساتية صغيرة.. وهو أمر غريب حقاً، إزاء تجارب عالمية، حتى في العالم الثالث، بيَّنت أن السينما يمكن أن تكون صناعة ثقيلة، وثروة وطنية.. بل إن ثمة من الأفكار الخلاقة التي يمكن أن تقوم بتسمين السينما، وبلورة صناعتها، باستقطاع القليل جداً من العائدات الهائلة جداً، التي تدرها العروض السينمائية في الإمارات، ودول الخليج..
لنتخيل أن فيلماً مثل «Spider Man 3» حقق عوائد تفوق 8 مليون دولار أمريكي، في صالات الإمارات وحدها، مما يعني أن عدد الجمهور الذي حضره فاق 281 ألف شخص، اشتروا العدد الموازي من البطاقات..
«ماذا لو أخذنا من كل بطاقة، درهماً إماراتياً واحداً، ووظَّفناه في صناعة سينما إماراتية؟».. يقول مسعود أمر الله آل علي.. هذا مشروع قدمناه للجهات المختصة.
والمصادر ذات العلاقة، تقول إن عدد البطاقات التي بيعت في الإمارات خلال العام 2007 فقط، ولأفضل عشرة أفلام فقط، يتجاوز 2 مليون بطاقة!.. وهذا يعني أن 2 مليون درهماً إماراتياً، فقط، يمكن أن تنصبّ في صندوق السينما الإماراتية سنوياً، ومن باب عرض عشرة أفلام، فقط.. وهذه المبالغ وحدها، وسنة بعد سنة، يمكن أن تؤسس لصناعة سينما إماراتية حقيقية، وراسخة.. فمن تراه سيأخذ مسعود أمر الله على محمل الجد؟!.. ومتى؟

ويسلّم محمد حسن أحمد جائزة أحسن موهبة/ سيناريست إماراتي للعام 2009

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق