الأحد، 24 يناير 2010

أفلام خليجية أطلقها مهرجان دبي السينمائي الدولي:

وفي الخليج فقر وفراق وغياب ودموع.. وأفلام تحكي عن هذا!..

أما وقد أصدر مهرجان دبي السينمائي الدولي، في دورته الخامسة عام 2008، قرصاً يتضمن مجموعة من الأفلام الإماراتية، فسيبدو من المنطقي تماماً، واستمراراً لاستراتيجيته، أن يصدر في دورته السادسة عام 2009، قرصاً آخر يتضمن، هذه المرة، مجموعة أفلام خليجية، بما يوحي برغبة هذا المهرجان في تأكيد انتسابه للسينما الخليجية أولاً، وحرصه على رعايتها ودعمها وإطلاقها.. على الرغم من نزوعه الدولي.
ثمانية أفلام ستأتينا، عبر هذا القرص، قادمة، أو مُنتقاة باسم «أفلام من الخليج»، من: مملكة البحرين، سلطنة عُمان، دولة الإمارات العربية المتحدة، دولة قطر، دولة الكويت، المملكة العربية السعودية.
ومع غياب كلٍّ من العراق واليمن، سيبدو أن الأفلام المُنتقاة، إنما تنتمي في النهاية إلى بيئة «مجلس التعاون الخليجي»، حتى لا نقول «الخليج العربي»، وننتهي، دون أن ننكر حقيقة أن المتشابهات والقواسم المشتركة بين دول «مجلس التعاون الخليجي»، القادم منها هذه الأفلام، هي أكثر تقاطعاً وغنىً وثراءً، مما هي من جهة أولى، مع كل من العراق واليمن، من جهة أخرى.. ولكنه قدر الجغرافيا التي لا مفر منها، على ما يبدو!.. ولعل في استبعادهما من هذا القرص، فرصة للقاء قادم، خاص بهما.
وفضلاً عن هذا، ستبدو مسألة الانتقاء، وأحقية اختيار هذا الفيلم، واستبعاد ذاك الفيلم، أكثر تعقيداً، خاصة وأن قائمة الأفلام الخليجية طالت واستطالت، وتنوعت، وبات فيها زاد لمستزيد، إلى درجة أنه أضحى من العسير للمرء أن يضع قائمة نهائية للمنجز الفيلمي الخليجي، ما بين أفلام الهواة والشباب، وأفلام الطلبة، وأفلام المخرجين المحترفين.. وإن كانت جميعها، تقريباً، تقع في دائرة الفيلم الروائي القصير، وهو ما سنلاحظه في مجموعة الأفلام التي سيمنحنا القرص فرصة مشاهدتها، مرة بعد أخرى.

يبدأ القرص مع فيلم «غياب»، للبحريني محمد راشد بوعلي، 2008، وهو فيلم روائي قصير، مدته 11 دقيقة. يذكر أنه مأخوذ عن قصة «الوحيد لوحده»، للشاعر قاسم حداد. ولقد كتب السيناريو: حسن حداد، وهو من تمثيل: عبدالله ملك، شيماء الكسار، والفيلم مُهدى إلى ذكرى «إبراهيم عبدالرحمن بوعلي»، الأمر الذي لا يعني سوى أن الفيلم نبرة ذاتية خاصة لمخرجها، تتعالق مع وجدانه وذاكرته الشخصية، وانطلاقاً من بيئته المجتمعية، وخصوصيتها البحرينية.
في فيلم «غياب»، ثمة عجوزان في جلسة منزلية؛ هو يقرأ الجريدة، وهي تحيك في قطعة تطريز، وصوت أم كلثوم بينهما يعلو بأغنية «فات الميعاد».. ليس ثمة من حوار يدور بين العجوزين؛ المرأة والرجل.. لقد مضت بهما السنون، ولعلهما قالا كل ما يمكن لهما أن يقولاه، وهاهما في قعدة هادئة، متوثبة بانتظار من لا يبدو أنه سيأتي.. فعنوان الفيلم يفضح مضمونه!..
لحظة، ويتوهم الرجل أنه سمع قرع باب، فينطلق متثاقلاً، لعله يعثر عند الباب على الطارق.. تخيب به النظرات الواهنة التي يرسلها في الزقاق، يمنة ويسرة، ويعود لا يلوي على شيء، تاركاً الباب موارباً، لعل القادم المُنتظر يدخل فوراً، فلا حاجة به لقرع الباب..
ومن الطبيعي، من ثمَّ، أن تقوم الزوجة، المرأة العجوز بدورها، وتتثاقل بخطواتها لتتفقد الباب، والتطلع بشوق عينين متعبتين إلى الزقاق، لعله يأتي بمن ترغب، وتتمنى.. ولكنه الفراغ الذي يظلل الغياب.. إنه غياب لا نراه، ولا نعيشه، ولكننا نتلمس آثاره ووقعه على الناس الحاضرين أمامنا..

ويتلوه فيلم «بيلوه»، للعُماني عامر الرّواس، 2008، وهو فيلم روائي قصير، مدته 6 دقائق. حيث يقوم هذا الفيلم على اسم لعبة شعبية معروفة في سلطنة عمان، ويريد من خلالها التركيز على مشكلة المرأة في مجتمعاتنا الخليجية، العربية، المشرقية عموماً، إذ سرعان ما تنتقل الطفلة من ملاعب اللهو إلى قسوة الحياة. وسريعاً ما تجد نفسها تحت وطأة قوانين لا تعرف الرأفة، أو الرحمة.
من صبية في مقتبل العمر تلهو، إذ نراها ترسم خطوطها على الأرض، لتمارس لعبتها الأثيرة، يأتينا صوت يحكي حكاية هذه الصبية، والقوانين الجديدة التي تفاجئها، فتقتلعها من عالم البراءة.. ليس بلا معنى أن نرى ذلك المشهد، إذ يمر الفتى في مسار علوي، بينما الصبية تمر في مسار أدنى. إنه حديث عن الخفض الاجتماعي للمرأة في عالمنا. حتى لو كانت على حافة الحياة. أوقتل للحياة ذاتها.
أما فيلم «بنت النوخذة»، للإماراتي خالد المحمود 2008، وهو فيلم روائي قصير، مدته 17 دقيقة، فهو يحاول المزج بين الأسطورة والمخيال الشعبي، من جهة، والواقع، من جهة أخرى، لينتهي إلى ما يتماس مع حياتنا، بقوة ومباشرة.
هنا ثمة موت وفراق، ظلم وقهر، وطفل ربما في العاشرة من عمره، يراقب ما يدور حوله، ليكون شاهداً وشهيداً. كأنما هو عالم محكوم بالفقد، بالألم واللوعة، وإن كانت الأسطورة الشعبية لأبناء البحر تستجدي العدالة، من الظالم، أو من نسله؛ «بنت النوخذة»، ثاراً منه..

لن نفاجأ بوجود فيلم «بنت مريم»، للإماراتي سعيد سالمين 2008، على هذا القرص، فهو فيلم روائي قصير، مدته 27 دقيقة. كتب السيناريو: محمد حسن أحمد، ومن تمثيل: محمد إسماعيل، نيفين ماضي، رشا العبيدي، حسين المحمود.. وهو أكثر فيلم نال جوائز خلال العامين المنصرمين. ولعل ليس من المبالغة أنه لم يحصل أي فيلم روائي عربي قصير على العدد ذاته من الجوائز.
يبدأ الفيلم بنص أدبي، فيه شيء من الشعر العامي، والحكمة الشعبية: «ثوب العطش جدا أرضك قاصف، شال الحزن بإيدك طفل خايف، زاد العوق ودعواي بين النصايف، نبا غيمة فيها المطر واقف».. ولن يتوقف الفيلم عن طريقة السرد الشعري أبداً..
الفيلم يقوم على صوت صبية، في مقتبل العمر، تحكي حكايتها، تلك التي تبدأ بتزويجها برجل عجوز طاعن في السن، وربما هارب من الزمن، فيما تقول هي عن نفسها: «وأنا بعدني بنت ما شفت الدم في ثيابي».. وما بين موت زوجها «الشيبة»، وطردها لتجأ إلى قريبها «معتوق» الضرير، المتبقي من أهلها، ومأساة المرأة التي يسجنها أخوها، لإجبارها على الزواج، نخلص إلى حقيقة أنه «كل بيت فيه بنت مريم».. لا يغير من ذلك وجود الفتى الحامل لشتلة شجرة، على أمل أن تطيل عمر والدته..
سيكون موت، وسيكون فراق وألم.. والفيلم ينغلق على البداية، في بنية دائرية لا تنتهي..
ويذهب فيلم «سائق التاكسي» للقطري حافظ علي عبدالله 2004، وهوفيلم روائي قصير، مدته 19 دقيقة. كتابة: جاسن كابوس. إلى معاناة «كمال زيتوني»، وهو من سنعرف أنه فتى مغربي، ترك بلاده للعمل في الولايات المتحدة الأمريكية، وسيعمل مع قلة الحيلة كسائق تاكسي على الرغم من أنه كان مهندساً في بلاده.
مع جرعة زائدة من تناول مأساة المهاجرين من بلدانهم إلى أرض الأحلام، أي الولايات المتحدة الأمريكية، وهي موضوعة ليست جديدة في السينما العربية. ومع محاولات الاستثارة للمشاعر الإنسانية، بمشاهدة الاحتفال بعيد ميلاد الطفلة في غياب والدها.. سيأتي المشهد الذي نرى فيه أميركياً يفارق أسرته للعمل في آلاسكا، ونعرف أنه سيغيب خمسة شهور عن العائلة، لندرك أن الدائرة تدور على الجميع. ويبدو كأنما يفرغ مأساة الفيلم من استثنائيتها.

ويذهب فيلم «مهملات»، للكويتي عبدالله بوشهري 2006، وهو فيلم روائي قصير، مدته 4 دقائق، إلى اتجاه آخر، إذ يبدو الفيلم على شكل لوحات متتالية، تريد الحديث عن تفكك المجتمعات الخليجية، بدءاً من المرأة الغارقة في كمالياتها، إذ نرى آسيوية تقوم بتجميل قدميها، فيما هي منشغلة بالتواصل عبر الهاتف المحمول. والرجل المنشغل بالتحرش بالنساء، ومن ثم تعاطي المخدرات، لتكون النتيجة رمي طفل رضيع، إلى جوار حاوية قمامة.
فيلم «مطر»، للسعودي عبدالله آل عياف، 2008، وهو فيلم روائي قصير، مدته 24 دقيقة، ينوس بين مأساتين أساسيتين، أولاهما لطفل فاقد لحاسة السمع، ويسعى للحصول على سماعة، تمكِّن الأصوات من التسرب لأسماعه، وثانيهما لشاب مهدد بفقد البصر، بسبب مرض السكري، دون أن يفقد رغبته بمشاهدة مباراة للنادي الذي يشجعه.
يختار المخرج السعودي عبدالله آل عياف طريقة سرد شعرية، يقدم من خلالها صورة واقعية للمجتمع السعودي، صورة لا علاقة لها بالتأكيد بكل ما عرفناه وسمعناه عن السعوديين، أو بالصورة التي قدمتها لنا وسائل الإعلام عن المجتمع السعودي، حتى تلك التي قدمها الإعلام السعودي ذاته.
الفيلم، وهو من تأليف وسيناريو ومونتاج ومكساج ومصور وموسيقى وإنتاج المخرج السعودي عبدالله آل عياف، لا يعدو أن يكون رؤية خاصة لهذا المخرج لمجتمعه، رؤية فيها اقتراب بارع من زوايا غير ملحوظة، ومن معاناة غير مرصودة، على الرغم من أنها تحتفظ بكثير من الأمل، فالطفل يصر على اللعب مع أن سماعته غرقت في المطر، والشاب المهدد بالعمى يصر على مشاهدة المباراة لا يمنعه من ذلك، حتى المطر.

يبقى أن الاختيار الأخير، الذي يقدمه لنا قرص مهرجان دبي، هو فيلم «الواقعية أفضل» للعمانيين داوود وياسر الكيومي 2008، وهو فيلم روائي قصير جداً، مدته 1 دقيقة. وفيه من التجريب الكثير..
هو عالق على حافة جرف كبير.. وآخر يصوره، ويحاول مد يد العون له، تارة، ومن ثم يرفسه، تارة أخرى.. هو يسقط.. ولكن ثمة من يقوم، من مكان آخر وبعيد، بتصويرهما والتقاط ما جرى..
هل يريد الفيلم قول إن ليس ثمة من جريمة كاملة؟.. ربما!.. هل يريد القول إن الحياة ما هي إلا متواليات من ضحية ومجرم وشاهد؟.. ربما!.. هل يريد القول إن الأمور دوال بين مجرم وآخر، والضحية تذهب إلى الهاوية.. أيضاً ربما!..
الأهم من كل هذا، أننا ننتهي بمشاهدة ثمانية أفلام خليجية، أصدرها مهرجان دبي السينمائي الدولي في دورته السادسة 2009، إلى أن ثمة صورة خليجية غير التي نعرف.. وأن مبدعين خليجيين يريدون قولاً مختلفاً عبر أفلامهم..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق