الثلاثاء، 12 يناير 2010

المخرج عبد السلام شحادة في «قوس قزح»


على الرغم من الوشاية الأوَّلية التي ينبئ بها فيلم «قوس قزح»، والتي تُوحي بأنه يريد الانتماء إلى نسق أفلام «البورتريه الشخصي»، وذلك من خلال الانطلاق من صورة مخرج الفيلم عبد السلام شحادة، ذاته، وهو منغمس بالكتابة، في مشهد متقن التنفيذ، وعلى الرغم من أن صوت المخرج يتدفق من خارج الكادر، ليشكو إلينا تزاحم الصور في مخيلته، ويبدو وكأنه يريد أن يقصّ لنا حكايته مع الصور، وإلى اين تقوده..
أقول، على الرغم من ذلك، إلا أن فيلم «قوس قزح»، سرعان ما يشقّ دروباً غير منتظرة، ويقصُّ حكايات غير متوقعة، حتى ليبدو في وهلة أولى أن ليس ثمة من جامع لها سوى الشريط الفيلمي الذي استقر عليه المخرج، بمشيئته هو، وبالصيغة التي سنراها.
والمخرج عبد السلام شحادة، المولود في رفح عام 1961، هو أحد محترفي التصوير السينمائي والتلفزيوني في فلسطين، خاصة في قطاع غزة، إذ عمل في التصوير ومراسلة المحطات التلفزيونية العالمية، فكان المصور الرسمي لوكالة NHK الفضائية اليابانية، ومصوراً لصالح محطة BBC البريطانية، كما عمل لصالح وكالة رويترز، والتلفزيون السويسري، وأبو ظبي، و«آر تي إل»، و«أي تي إن»، و«إس آر دي».. قبل أن يصبح مدير الإنتاج في وكالة الأنباء الفلسطينية، عام 1999، وقبل أن يصبح مديراً عاماً لقسم الانتاج في وكالة أنباء «رامتان».
وفي الوقت الذي عمل مصوراً مع العديد من المخرجين السينمائيين الفلسطينيين، وفي العديد من الأفلام، فإن خياره نحو الإخراج السينمائي كان واضحاً منذ أن عمل في فيلم «يوميات فلسطينية» 1991، بالاشتراك مع سهير إسماعيل، نزيه دروزة، والذي كان نتاج ورشة عمل، استمرت ستة أشهر، نظمتها «مؤسسة القدس للإنتاج التلفزيوني»، وتم خلالها التدرُّب على كيفية استخدام الكاميرا، وطرق التعامل معها، ثم تمّ تطوير السيناريو الذي استفاد من كون ثلاثتهم يمثلون القطاعات الرئيسية للمجتمع الفلسطيني، في مدينة وقرية ومخيم فلسطيني.

عبد السلام شحادة، ابن مخيم الشابورة، في رفح، والمقيم في غزة، عرف استخدام الكاميرا منذ البدء لرصد واقعه، ونقله إلى العالم عبر شاشات المحطات التلفزيونية، وقنوات الفضائيات، ومن ثم عبر السينما، وبالتالي كانت كاميرته مرصودة للعمل على تسجيل وتوثيق الحالة الفلسطينية، فتميزت أفلامه بالتعاطي مع الواقع، والابتعاد عما هو روائي أو تخييلي.
من هنا جاءت أفلامه: «البيئة» 1994، «حقوق المرأة هي حقوق الإنسان» 1995، «الأيدي الصغيرة» 1996، «بالقرب الموت» 1997، «الماء.. التحدي الحقيقي» 1998، «الظل» 2000، «حجر بحجر» 2000، «العكاز» 2000، «ردم» 2001، «نحن نسمعكم، من فضلكم اسمعونا.. شكراً لكم»، ومن ثم «قوس قزح» 2005، وأخير فيلمه «إلى أبي» 2008، لتتناول موضوعات مختلفة من الحال الفلسطيني، في علاقتها مع الذات الفلسطينية، أو المصير الفلسطيني، أو في انخراطها في الصراع مع جيش الاحتلال، أو مع المستوطنين.
في لحظة مبكرة من عمر السينما الجديدة، انتبه عبد السلام شحادة إلى أهمية موضوعات كالبيئة، والصراع على المياه، في منطقة تشكو من شحّ الماء. كما انتبه إلى حقوق المرأة، وإلى المعتقدات الخرافية الشائعة، وارتباطها بالوعي، أو غيابه، مثلما ناقش عمالة الأطفال، وخطر المستوطنات، والاعتداءات على المدنيين.
ومن المفارقة أنه إذا كان الإسرائيليون يصنعون «قوس قزح» بدباباتهم، وطائراتهم، ويجعلونه موتاً يحيق بالفلسطينيين، خاصة تلك العملية المدمرة التي جرت في أيار 2004، وحملت الاسم نفسه: «قوس قزح»، وانجلت عن مقتل 50 فلسطينياً، وتدمير 400 منزل، وأعادت الفلسطينيين إلى حال شهدوها قبل 56 سنة، في أيار من عام 1948 وبقوا منذها يسمونها «النكبة».. فإن مخرجاً فلسطينياً سوف يحاول رسم «قوس قزح» آخر، بكاميرته السينمائية، محاولاً القول: «إن الحياة ستستمر».
لامجال للمقارنة بين هذين القوسين، وربما الأقدار الدامية، بحضورها، أو بمفارقاتها، هي التي تجعلنا ذاهلين أم الكاميرا، لنرى ونستمع إلى تلك القصص التي التقطها عبد السلام شحادة، وهو يحاول الانتقال من مدينة غزة، حيث يقيم، إلى مخيم رفح، حيث تقيم أمه، المفجوعة دائماً، بالغيابات المتتالية، والمقيمة على جمر انتظار..

يعترف عبد السلام شحادة أنه بات يشعر بالخجل، وهو يراقب ما يجري من عين الكاميرا.. إنه يظهر لنا جالساً فوق الركام، مع كاميرته، ويقول: «تعبت.. حاسس بالخجل، وأنا بتفرج ع الناس بكاميرتي».. والناس ما هم إلا أهله، وجيرانه، ومعارفه، وأولئك الذين ستكون الكاميرا طريقته الخاصة في التعرّف إليهم.
من الفنان «إبراهيم المزين»، صديقه منذ الطفولة، إلى «رائد مطر» الذي فقد أسرته كاملة بضربة واحدة، كانت تريد النيل من صلاح شحادة، فأحالت عمارة من عدة طوابق ركاماً، وكان رائد الناجي الوحيد، من أسرته، ربما ليقصّ علينا تتمة الحكاية، أو ليحلم باحتفاله بعيد الميلاد الذي لم يتمّ، لأن صاروخاً زنته طناً كاملاً، حلَّ ضيفاً قاتلاً على الأسرة المجتمعة حول سعادة سرعان ما انطفأت..
وفي حين نرى اللُّعب والأشياء، والكنزة التي لم يسنح الوقت لـ «محمد»، ولده الصغير، أن يلبسها، ولو لمرة واحدة، فقط.. ينحت الفنان إبراهيم المزين تلك الوجوه الناهضة من بين الركام، ليشكّل منها عملاً فنياً يتضمَّنه معرض تشكيلي بعنوان «وجوه من رمل»..
الفلسطينيون الراغبون في أن يُعرَفوا بأنهم من محبي الحياة، لا من هواة الموت، يستخرجون من المآسي المتلاحقة عصارات إبداع، في الفن التشكيلي، كما في السينما، وقد سبق أن فعلوا ذلك شعراً..
ولكنه الموت الذي لا يشبع، فإذ يستذكر عبد السلام شحادة أحد أفلامه «يوميات فلسطينية»، يحضر المخرج المصوّر نزيه دروزة الذي استشهد برصاصة قاتله، وهو متأبط كاميرته.. كما تحضر الطفلة «روان»، وتدمير بيوت العصافير الصغيرة، على الأسطح الواطئة، واستشهاد الطفلين «أحمد» و«أسمى».. في حكايات موت لا تنتهي..
يتحوَّل فيلم «قوس قزح» من رصد معاناة المخرج في التنقل بين غزة ورفح، إلى الحديث عن رفح، ولقاء المخرج بأمه، وحديثه معها عن علاقته بوالده المتوفى.. ومن ثم الحديث عن جارته «عندليب» التي تفتحت عيناه على الدنيا، وعليها، ومن ثم أصبحت زوجته.. فيما يبلغ الفيلم واحد من ذراه بحكاية صاحب مزرعة الورد، والثلاجة المخصَّصة للحفاظ على نضارة الزهور، ريثما يتم تصديرها إلى أوروبا.. فكان أن تحوَّلت الثلاجة إلى برَّاد يضم العشرات من الجثث البشرية المدماة، والتي تنتظر الدفن، ريثما يصمت القصف، وتهدأ المجنزرات..
«لم أكن أتخيل أنني سأمضي الوقت في تصوير الموت والدمار.. كنت أرغب في تصوير حياة وحب وأمل».. يقول المخرج عبد السلام.. وهو الذي انتبه إلى أن فيلمه صار محشواً بالكثير من قصص الموت والدمار، وكفّ عن أن يكون مجرد «بورتريه شخصي» لمخرج أراد أن يحكي حكاية حب وانتماء..
فيلم «قوس قزح» للمخرج عبد السلام شحادة، كانت له المشاركة في مسابقة رسمية، حملت عنوان «Earth Vision» في العاصمة اليابانية، طوكيو، وكان أن فاز بالجائزة الأولى، متجاوزاً في التصفيات الأولى قرابة 1200 فيلماً، من شتى أنحاء العالم، ومتفوقاً على 17 فيلماً في المرحلة الأخيرة، لينال الذهبية، موقداً الأمل بأن «الحياة سوف تستمر»، رغم كل شيء..

هناك تعليقان (2):

  1. فعلا مخرج ناجح وبنحب نباركلو على الزواج الثاني والمولد الجديد

    ردحذف
  2. .زهرة النورس انا من الاشخاص دائما متابعة الافلام المعبرة وكتيرجميلة وانا بتمنالك مزيد من النجاح والي الامام

    ردحذف